قمتُ لأصلي صلاةً -قبل عدة أيامٍ- في منزلي، وكنتُ حينها -دون قصدٍ- لابسا ثياب العيد، فلما وقفتُ للصلاة، شعرتُ بشعورٍ لم أعهده من قبل، ياله من شعورٍ جميلٍ أن تقف لله بهذه الهيئة! ثم تفكرت.. لو أني خرجتُ للقاء أحب الناس إليّ، لأحببتُ أن ألقاه بتلك الهيئة، ولو خرجتُ للقاء أعظم الناس مكانةً لأحببتُ ذلك أيضا، بل إني أفعل ذلك حتى عند لقاء الناس في المناسبات والأعياد..
فكيف بلقاء الله! وأنا أزعم -وأرجو- ألا يكون أحدٌ أحب إليّ منه، ولا أحد أعظم في قلبي منه، ولا مناسبة أكبر في نفسي من لحظة مناجاته، أوليس الله -ربي ومعبودي- أولى أن أتجمل بين يديه، وأريه أثر "عبوديتي" له، وقد علمتُ أن حقيقتها: غاية المحبة، مع غاية التعظيم!
تأمّل خطاب القرآن ـ تجدملكا!ـ.pdf
94.3 KB
.
من كلمات ابن القيم التي أحبها وأحب تكرار قراءتها..
وجدت لها أثرا على تلاوتي للقرآن.
يجول بك القرآن في رحاب العلم بالله وصفاته وأفعاله ومخلوقاته والآيات الدالة عليه.. حتى يكاد يكون خالصا في هذا الموضوع.

ومن أهم "مقاصد" موضوع العلم بالله -الذي هو أعظم مواضيع القرآن- مقصدين عظيمين جليلين يُراد للقارئ أن يصل إليهما من كل الطرق وبشتى الوسائل:

المقصد الأول: أن الله هو أعظم مقصود، وأولى معبود، وهو الإله الواحد الذي لا ند له ولا شريك، لا تأنس القلوب وتطمئن إلا بتألهه، ولا تسكن الروح وتُشفى إلا بالقرب منه، ويتحصل بهذا المقصد: إخلاص العبادة له وحده، والاستجابة والخضوع لأمره وحده، وطلب رضاه وحده، والمحبة الحقيقية له وحده.

والمقصد الثاني: أن الله هو الذي بيده الأمر والتدبير، والملك والحكم، والقوة والعزة، فلا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، ولا يمتنع عليه أحد، وكل من سواه ضعفاء فقراء مخلوقون مربوبون، فيتحصل بهذا المقصد: تعلق القلب به وحده، والتوكل عليه وحده في نيل مطلوباته، والثقة بقوته وعزته وحكمته، والرضا به ربا حاكما مدبرا.


فحينها يورث هذا العلم العظيم -لمن أوتيه- هذين الكنزين العظيمين: العبادة والاستعانة، المذكوران في هذه الآية الجامعة: (إياك نعبد وإياك نستعين) وغيرها من الآيات.

فإن كنت لا تزداد تحصيلا وعلما ويقينا بهذين المقصدين كلما اقتربت من القرآن؛ فتدارك نفسك، وراجع علاقتك به، ولا تنشغل -عن طلب هذا الهدى- بترداد الألفاظ وحدها فيفوتك تحصيل أعظم وأنفع وأجمل ما فيه.
"فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ"

كلمات كعب بن مالك هذه التي قالها عند تخلفه، تخترق الحجب لتصيب القلب في مقتل!
يا لهذه الحسرة التي تذكرنا بأنفسنا، وبكثيرٍ مما هممنا فعله لأمتنا، ورجونا بذله لنصرة ديننا، ثم تعثرت تلك العزائم ولم نعقدها، ويا ليتنا فعلنا!
استمع للقارئ الذي تذكّرك قراءته بأنّ القرآن حق!
ما أصْدقَ صاحب يسٓ!
إذ قال لقومه: {یَـٰقَومِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلمُرسَلِین}، ثم لم يكن متبعا لدين الرسل فحسب، بل كان متبعا لهديهم الخاص بالدعوة إلى الله، فأصاب أعلى درجات اتباع الرسل.

ثم ما أصدقه..
إذ لم تكن الدعوة لديه مجرد شعارٍ يُرفع، أو أمرا ثانويا يشتغل به عند فراغه، بل أتى ساعيا -من أقصى المدينة- لميادين الدعوة، وتكلم بالحق رغم وجود الرسل حوله، وبذل روحه رخيصةً في ذلك الطريق الشريف مصدقا بحسن العاقبة..

فذلكم الصدق!
الذين لم يبرحوا محاريب الدعاء: على الثغور، يتحرَون الأوقات ويطيلون، يصبرون ويصابرون، يحسنون الظن بربهم، وبوعده يصدقون!
حدثني عن دعاء الذي "يؤمن بالغيب"!
الذي ترى بصيرته أثر دعائه في ميزان الله..
أخطاء الماضي تذكرنا حقيقة أنفسنا، وأنا نحن نحن، بشحمنا ولحمنا قد فعلنا ما فعلنا، وأنا لو وُكلنا إلى أنفسنا لكنا في ذلك الوحل لا نخرج منه، ولكن الله سلّم، ولكن الله حبب إلينا الإيمان، ولكن الله يمن على من يشاء، ولكن الله يهدي من يشاء.. فما هي إلا منته والله، وما هو إلا فضله على الحقيقة!
معنى لفظ "اسم" في قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم)، وقوله: (واذكر اسم ربك).

يقول ابن القيم رحمه الله: ((أن الذكر الحقيقي محله القلب، لأنه ضد النسيان، والتسبيح نوع من الذكر، فلو أطلق الذكر والتسبيح لما فُهم منه إلا ذلك، دون اللفظ باللسان.
والله تعالى أراد من عباده الأمرين جميعا، كما أراد منهم الإيمان بالقلب وعقد الشهادة باللسان ولم يقبلهما إلا مقترنين.

فصار معنى الآيتين: سبح ربك بقلبك، ولسانك. واذكر ربك بقلبك، ولسانك. فأقحم "الاسم" تنبيها على هذا المعنى، حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان، لأن ذكر القلب متعلقه المسمى المدلول عليه بالاسم، دون ما سواه. والذكر باللسان: متعلقه اللفظ مع مدلوله. لأن اللفظ لا يراد لنفسه. فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبح، دون ما يدل عليه من المعنى.

وعبّر لي شيخنا أبو العباس ابن تيمية -قدس الله روحه- عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة، فقال: المعنى: سبح ناطقا باسم ربك، متكلما به.

وهذه الفائدة تساوي رحلة، ولكن لمن يعرف قدرها. فالحمد لله المنان بفضله ونسأله تمام نعمته)). انتهى (بتصرف).
#تلاوات_نادرة #المنشاوي الشيخ المنشاوي {ومارميت إذ…
ويكأن الآيات التي تنزل على موطن الحاجة تبعث في النفس روحا كأنها تشهد نزولها أول مرة! سبحانك يا الله!
Forwarded from || غيث الوحي ||
ما شهدَتِ البشرية نقلا مباشرا تفصيليا لحدثٍ عظيم، وكربٍ شديد، ومصابٍ جلل، كما في أحداث غزة..

ولما رأى النبي ﷺ الحفاة العراة تمعّر وجهه، ودخل وخرج، وصلى وخطب، وذكّر وأنذر، فكيف لو رأى ما نراه اليوم!

وقد قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض)
وقال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسلِمه [وفي رواية: وَلَا يَخْذُلُهُ]» وقال: «انْصُر أَخَاك».


وأقولها بملئ فمي: من لا يزال -بعد هذا- من أبناء المسلمين غارقا في تفاهاته، منغمسا في مشاهدة مسلسلاته ومبارياته.. لا تهزه الأحداث وتوقظه من غفلته.. وتؤلمه وتحركه، وتغير من شأنه الذي كان عليه من قبل، فهو عن روح الإيمان بعيدٌ بعيدٌ بعيد.. ويوشك ألا يوقظه بعد هذه الآية الكبرى إلا الموت، والأهوال من ورائه..

ألا هل بلغت. اللهم فاشهد!
إذا رأيت أنك بعيد عن الاستحضار المستمر للجنة والنار، والحشر والحساب، ولقاء الله، فاحذر أن تكون الحياة الدنيا وزينتها قد غرتك وأشغلتك وأنستك!

فلا شيء ينسيك اليوم الآخر كانغماسك في الدنيا..
ولا شيء ينزعك من سطوتها كالتذكر اليومي لليوم الآخر..


• { وَقِیلَ ٱلیَومَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِیتُمۡ لِقَاۤءَ یَومِكُمۡ هَـٰذَا وَمَأوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِینَ . ذَ ٰ⁠لِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰا وَغَرَّتكُمُ ٱلحَیَوٰةُ ٱلدُّنیَاۚ فَٱلیَوۡمَ لَا یُخرَجُونَ مِنهَا وَلَا هُمۡ یُستَعتَبُونَ} [الجاثية]

• { ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَهُمۡ لَهوࣰا وَلَعِبࣰا وَغَرَّتهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنیَاۚ فَٱلیَومَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُوا۟ لِقَاۤءَ یَومِهِمۡ هَـٰذَا وَمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجحَدُونَ } [الأعراف]
﴿ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ ﴾

- قال البقاعي رحمه الله: "التَّهاوُنَ بِشَيْءٍ مِنَ (الصَّلاةِ والسَّلامِ) عليه: مِنَ الأذى".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أَرِقَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ، قالَ: مَن هذا؟ قالَ سَعْدٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، جِئْتُ أحْرُسُكَ، فَنَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ)
رواه البخاري

أفدي عمري بليلة سعد!
إذا كان عامة الناس -برحمة الله- يجتهدون في رمضان..
فهذه العشر لا يُهدى إلى الاجتهاد فيها -بحكمة الله- إلا الصادقون!
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
إذا أردت فهم عبادة "التوكل"، فانظر إلى ذلك الطفل الصغير حين يبلغ عمرا يرى فيه أباه البطل الأوحد، فيكون في عينه أعظم الناس، وأعلم الناس، وأقوى الناس، وأحكم الناس، وأظرف الناس..

- فيلتجئ إليه عند كل كرب، ويفر إليه عند أي تهديد، ويتقوى به أمام كل ند، ويطلب جوابه عن كل مسألة، ويأنس به عند كل ضيق..
- يشعر بالأمان بقربه، وبالاضطراب عند فقده، وبالعزة عند مصاحبته، وبالأنس عند الحديث معه..
- إذا رضي عنه كان أسعد الناس، وإذا غضب عليه كان أشقى الناس، وإذا أقبل عليه كان أعز الناس، وإذا أثنى عليه كان أشدهم فخرا ورضى..
- فلا مفر له حينئذٍ، ولا احتماء، ولا سعادة، ولا رضى، ولا فخر، ولا أمان إلا به وإليه وبالقرب منه..

فلا يتوكل العبد حق التوكل على ربه -ذي المثل الأعلى- إلا بذلك القلب "المعلق به" غاية التعلق، الممتلئ تعظيما ومحبةً له حتى لا يكاد يرى أحدا سواه!
2024/06/05 01:37:25
Back to Top
HTML Embed Code: